وادي فينــــــان.. وللتاريخ مناجم تفيض بالأسرار والحكايا

سكنه الإنسان ما قبل عصور الزراعة ولم تنقطع الحياة فيه منذ ذلك الوقت، عرف بنقاء نحاسه، وعروبة تاريخه وصناعته، نال جوائز وتصنيفات عالمية لجماله وتنوعه، وكان مصدر إلهام لمن يريد الابداع بالخلوة…هذا ما يؤكده الباحث والفوتوغرافي عبد لارحيم العرجان عن»وادي فينان» جنوب الأردن، والذي زاره مع فريق «مسارات»مؤخرا لاستكشاف المزيد حوله ورصد تاريخه ومزاياه الطبوغرافية.أفق الدهشةيقول العرجان حول الرحلة: ابتدأ سحره مع انعطافنا الاول من بلدة القادسية باتجاه ضانا بمشهد سرمدي يأسر الألباب بإفاقه البعيدة، المكتنز بغيوم الصباح بين شقيّ جباله؛ فتصاحبه نشوة تجعلك تتأمله بصمت المتجددة في كل زيارة مع فنجان قهوة ببيت استضافة -متربع فوق مدخله- يمتد عمر بنائه العتيق الى سبعة أجيال من أبناء الخوالدة من ابناء القرية القديمة، لنبدأ بعد هذه الجرعة الروحانية رحلة المشي نحو أفق الدهشة، المستمد اسمه من صفته فنان/ أفنان الطويل الحسن.وادٍ لا تعلم عنه الكثير لسطحية ما نشر عنه إلا إن كنت قارئًا وباحثاً جيدا، نزول حاد في البداية يتطلب الاعتماد على عصي المشي لتخفيف الضغط على المفاصل وأربطة الساقين، خصوصاً أننا نحمل مستلزمات مبيت ليلتين في نزله البيئي، مسار يبهرك منذ البداية وأنت تسير بين جبال طيفية الألوان فنية التكوين، احتضنت في أعاليها وبين شقوقها نباتات لتكون موطن لطيور ترافقك عبر بطن الوادي موسمي الجريان، فتارةً تشاهد جوارحه من صقر ونسر وعقاب وشاهين الجبل النادر وتارةً تسمع هدير حمامه البري أو نعيق البوم أو هدهدة الهدهد، وبين اشجار الدفلى والقصيب الكثيف قد تلمح نيص أو ما ترك من سهام.النزل البيئياستمرت نشوة جماله إلى أن وصلنا النزل البيئي مقر إقامتنا في آخر الوادي بعد مسير من الصباح بمستوى استجمامي سهل الصعوبة، ليستكمل بمشهد الغروب، رافقنا إليها أحد أدلاء النزل وصاحبنا قدح شاي عطره بنبته الصفيره والتي قطفها من بين الصخور، فحدثنا بلسان المعتز والفخور به عن تجذره بالمكان واعتزازه به، وكيف أن النزل وظف من أهالي المنطقة ويتزود من منتجاتهم وأصبح مصدر جذب سياحي متخصص ونال جائزة فندقية عالمية بالسياحية البيئية.عدنا للنزل ورائحة الطعام الشهي تزيد من رغبتنا لتناوله، فالعادة دائما ما يكون غدائنا بالمسار فواكه أو سندويشات خفيفة حتى لا تستنفذ طاقتنا ونحافظ عليها، أما بالنسبة للعشاء؛ فقد كان بالكامل نباتيا بعيدا عن تدخل أي مواد هرمونية في إنتاج مكوناته الطبيعية والواقع ضمن إدارة الجمعية الملكية لحماية الطبيعةبعدها استكملنا السهرة إلى جانب موقد الحطب والحديث عمن كان هنا من شخصيات لنجد أن ما من عاشق للطبيعة أو من رائد في المسير والترحال إلا وكان هنا وقد نام على سرير غرفةٍ بسيطة التصميم، بالغة الأناقة ذو ترتيب من تصميم المهندس الفذ عمار خماش.وبعد نوم عميق بعيد عن وسائل الاتصال أو إنارة الكهرباء كان للفجر مشهد آخر بأشعته المتخللة لصخور الجبال وثناياها، لنبدأ نهارنا الاستكشافي لتاريخنا التليد لموطن النحاس ومملكته ومناجمه العربية الأدومية النبطية وكيف أصبح قِبلة لعلاقات امتدت من الفراعنة على ضفاف النيل إلى روما وممالكها في بلاد الشام، بعد أن كانت تجلب سبائكها من قبرص، لا وبل كان يتنافس بنقائها وجودتها، الاستخدامات في الأسلحة والأدوات الجنائزية…..