— زارة إسم أرامي مشتق من زرقة شلالات المياه وحضارة تجارة بين ضفتي البحر الميت عبر ميناء الزارة-رجم البحر.
كتب: أ.د. أحمد ملاعبة .. والاعلامي أسعد العزّوني
وادي زارة رحلة شلالات المياه، ينفصل حوضه تماما عن وادي ماعين ،وهذان الواديان المتجاوران يفصل بينهما حد صخري يبدو من الأعلى كنصل السيف، بحيث تحتار قطرة المياه الساقطة من المزن “السحب”.
عند هذا الخط تتحرك شمالا نحو وادي زرقاء ماعين أو جنوبا نحو وادي زارة، هذا الوادي المشهور بشلاله الرئيسي الذي يتدفق بغزارة في منتصف الوادي بمياه ساخنة كبريتية، أغرت الحضارات ومنذ القدم لتستوطن على جنباته، وأسهمت الطحالب ورسوبيات الكربون في ترسيب كميات هائلة من صخور تعرف بإسم “الترفرتين Travertine”،وهي نوع من الصخور الجيرية الصلبة المتماسكة التي تتميز بنسيج فقاعي وألوان زاهية براقة منها الأصفر والزهري والبرتقالي وألوان عديدة أخرى تغطي المنطقة السفلى من الوادي المشاركات تصل ال ١٥متر.
الناظر إلى المنطقة يرى حدثين رئيسيين وقعا عبر العصور الجيولوجية ومنذ من أكثر من مليون عام، الحدث الأول: تشكل الوادي في جزئه العلوي في صخور جيرية ورملية عمرها أكثر من 250 مليون عام، وهذا الحوض العلوي طوله نحو 6 كيلومترات، يفصل بينه وبين الحدث الآخر شلالات زارة المعدنية التي تتدفق بدون إستثمار أو حتى إستغلال كمنتج سياحي علاجي.
أما الحدث الثاني فهو أسفل هذه الشلالات حيث السهول الفيضية على يمين ومسار مجرى الوادي الرئيسي الممتد لأكثر من 3كم، ولقد غاصت المياه بعد تفتيتها للصخور في مجرى الوادي وبدى كحرف U بالإنجليزية، في وسطه وعلى أكتاف الوادي مساحات عليها تربة خصبة زراعية، أنشئت عليها مزارع كثيرة لتنتج البندورة والخيار والفليلفلة الحلوة والباذنجان وبعض البقوليات، وقد إنتبه أجدادنا الأنباط إلى هذه المياه وقاموا بإنشاء المسابح والمنتجعات الصحية النبطية القديمة،كما قاموا بالإنتباه إلى التجارة البينية بين ضفتي البحر ،وأنشأوا ميناء أطلق عليه اليوم إسم زارة، وإستغله الرومان لاحقا وأضافوا عليه المنشآت.
كان هذا الميناء يربط زارة مع مدينة أريحا ومحمية عين الجدي، وكانت البضائع مما لذ وطاب تتنقل بين ميناء زارة وبين ميناء أفنات إلى الجنوب من أريحا، ويقع في منطقة على الشاطئ الشرقي للبحر الميت على بعد 25 كم جنوبي قرية سويمة “عند المياه الساخنة” ويبعد حوالي 1.5 كم جنوب مصب زرقاء ماعين على الطريق الرئيسي الذي يربط البحر الميت بجنوب المملكة.
يعد الميناء الروماني “المرفأ” الوحيد على الشاطئ الشرقي للبحر الميت، وكان لهذا الميناء ارتباط مع موقع “رجم البحر” على شواطئ أريحا على الجانب الغربي من البحر الميت، ويبلغ طوله نحو 70 متراً وبعرض قرابة 60 مترا ، ويمتد من الشمال إلى الجنوب محاذيا للشارع الرئيسي الذي يربط عمان – البحر الميت- العقبة. وكان يستخدم للتبادل التجاري وتخزين البضائع إضافة إلى تجميع كتل الاسفلت عن طريق القوارب والسفن التي كانت تطفو على سطح البحر والتي استخدمت للعلاج والتحنيط ودهان السفن. وتسجل الأبحاث أن اول استخدام المشتقات النفط كانت من خلال كتل القطران التي كانت تنبز من باطن البحر الميت النطفة على سطحه ولقد تم تسجيل في القرن التاسع عشر الميلادي كلمة قطران بوزن 2700 كيلو غرام وربما هذا السبب الذي جعل البحر الميت يعرف أيضا ببحر الاسفلت.
وفي واحة الزارة على شاطئ البحر الميت الشرقي التي زارها معظم اباطرة العالم ،حيث أقام الحاكم الروماني هيرود الكبير قصرا ضخما على الينابيع الساخنة ومثلتها خارطة مأدبا الفسيفسائية، وأطلق عليها باليونانية اسم “كاليروهي: Kallirrohe” وتعني الينابيع الجميلة، وتعني الينابيع الجميلة أو أجمل ينابيع العالم ، واكتشف ذلك القصر والحمامات المائية بجوار الميناء الروماني، وروي أن هيرود الكبير كان يستخدم الحمامات للتنزه والعلاج وقيل أنه مات في القصر بعد عدة محاولات لعلاجه من مرض سبب له طفح جلدي.
إن السائر على طريق البحر الميت يلاحظ عبر العقود الأخيرة، تجمعا بشريا هائلا على أطراف الطريق للإستمتاع بجمال هذه المنطقة ،التي توجد فيها مقومات كثيرة أهمها الميناء أو المرفأ والحمام الروماني الرئيسي، ومن بين هذه الإنحدارات ،إضافة إلى الشلالات وخصوصا شلال زارة الرئيسي، هناك العيون الكثيرة والوفيرة لكشف عن حوالي اربعين نبع مياه ساخنة تتراوح درجات حرارتها ما بين 30 ولغاية 55 درجة مئويه ،أهمها عين أم هديب وقد نشر البروفيسور ملاعبة بحثا عن الينابيع بالتعاون مع جامعة دارمشتات الألمانية.
ساعدت المياه الغزيرة في جعل هذه البقعة من أميز الأحواض الخضراء التي تنتشر فيها الأشجار ،مثل شجر الطرفة والقصيب والكينا والسرو، ورغم أن المحاصيل الزراعية مهمة جدا الا انها تستهلك مياها أكثر من سعر بيعها،إلا أن إنشاء منتجع سياحي في المنطقة لأغراض السياحة العلاجية مطلب ملح، ليدر دخلا وطنيا كبيرا يتجاوز عدة مليارات من العملات الصعبة.
هذه المياه تصلح لعلاج أمراض كثيرة أهمها الديسك والروماتيزم وأمراض العظام ،إضافة إلى ما تحتويه من كبريت وميثان وسيلينيوم، ولذلك هنالك قيمة علاجية مضافة لا بد من التركيز عليها ، وهي العلاج في المنطقة حال البقاء فيها لثلاثة أيام أو اكثر ،بما يعرف بالعلاج بالإستنشاق ،إذ يصل الأوكسجين إلى أكثر من 35%،بزيادة تبلغ 15% عما هو في المدن ،ناهيك عن الأوزون 30 %الذي يعالج أمراض الأرق والصداع والشقيقة وحتى الصرع والتوحد،إضافة إلى أن هذا الجو النقي يسهم في علاج أمراض الأزمة “الربو” والقرحة .
الزارة كلمة لا بد من إيصالها إلى جذورها وتوضيحها ،فهي آرامية الأصل ،إذ كان حرف “الزاي ” سار وهي الزرقة ،ومن الجدير تفصيله هنا هو تشابك الإسم في جذوره مع إسم نهر الزرقاء أو”ساركي”،وأيضا الأزرق “شاركونا أخرى كثيرة في الأردن وبلاد الشام.
إن فكرة المنتجع العلاجي بمكونات الطبيعة من المياه الساخنة والنادرة، ووفرة الغازات العلاجية التي تظهر على هيئة متبخرات وبخار ماء ،هي ربما ستكون مجدية أكثر من السياحة الطبية التي تحتاج إلى مستشفيات وتقنيات علاجية عالية لإجراء العمليات الجراحية.
هذا المشروع بحاجة إلى إدارة وتصميم ،فبدلا من إنحدار المياه خلسة بين الشجيرات والأشجار لتغوص في البحر الميت ،وتتغير خصائصها ، ونستفيد منها في الحالات العلاجية،كما أنا تدر دخلا كبيرا بدلا من ضياعها في البحر الميت هباءا منثورا.
زارة هذا الوادي الذي ينتقل بك من إنخفاض يتجاوز 400 مترا إلى إرتفاع يزيد عن 600 مترا، على جنبات الطريق الإسفلتي الملتوي العتيق الذي فيه إنحناءات ونتواءات إنتشرت على جنباتها الأشكال الطبيعية الجميلة أو ما أطلقنا عليه الغراميل،وكل كتلة صخرية لها شكل يميزها عن غيرها بعد أن نحتت عبر السنين بفعل الحركات الأرضية التكتونية ،وتجليات نحت الماء أو الرياح، فهنا تجد مجموعة من الأشكال الضخمة بعضها يشبه العنقاء “الأسطورة”،وآخر يشبه النمر المتوثب، ومجسمات الطيور المختلفة وأهمها الصقر ،والتي تعطي جمالية إضافية إلى المتجول أو المغامر في هذا الوادي، ولا نغالي إن قلنا أن شلالات هذا الوادي تنافس شلالات ماعين في حال تأهلت وتم تسويقها جيدا.
إن الصعود إلى الأعالي حيث يبدأ الوادي ،ينقلك إلى حقل من البراكين أهمها بركان مكاور ،وهو ليس جبل مكاور صاحب قصة الرسول الذبيح يحيى ،بل هو بركاني والآخر جيري، ولربما سمي بهذا الإسم تيمنا بصاحب قصة هيرود الكبير حاكم المنطقة انذاك، مع سيدنا يحيى،وعلى الزائر لهذا الوادي أن ينظر كيف تكسرت صخور الحجر الرملي بكتل عملاقة فيها أشكال هندسية كأنها رسمت بالقلم والمسطرة.
كما أن بداية الوادي في الأعالي تعطيك مطلّا رائعا لرؤية كل مقومات الوادي، وتشكيلاته إضافة إلى البحر الميت وشواطئه الشرقية والغربية، وكذلك مدينة القدس المحتلة التي لا تبعد عن الشاطيء الغربي للبحر سوى 10 كيلومترات، وكذلك بعد نقطة رائعة لرؤية غروب الشمس، إذ يبدو قرص الشمس لوحة فنية وهو يختفي رويدا رويدا عند الغروب ،معطيا إيحاءا وكأنه يغوص في البحر الميت.