وادي حمارة أو حمّارة ..وادي الحدائق المعلقة والشلالات العملاقة

كتب : أ.د.أحمد ملاعبة .. والإعلامي أسعد العزّوني
وادي حمارة ولربما حمّارة أو حميرة أو عينين الحميرة،جدل الحوار حول أصل التسمية بين الموروث الشعبي حيث يروى أن بدويا أضاع حمارا ولم يتمكن من العثور عليه، رغم عمليات البحث المضنية في مسار الوادي، وهذه الرواية التراثية تصل إلى حد الخرافة لأن الأصل في التسمية هو إحمرار لون الصخور، التي تظهر بسماكة تتجاوز الخمسة أمتار في حقبة العصر البيرمي، وهو ما يفاجئك بالتكشف بعد مسير عشرات الأمتار.
هذا الوادي للقادمين من العاصمة عمّان ربما يمثل هدفا لعشاق المغامرات لقربه من البحر الميت ،إذ أنه وبعد مسيرة نحو ثلاث كيلومترات ،وبعد منطقة الفنادق وشاطيء عمّان السياحي ،يظهر مدخل الوادي الفسيح ،وقد ظهرت على جنباته الحواف الصخرية الرملية ذات اللوان الجميلة التي صبغتها أكاسيد الحديد الملونة.
يشكل هذا الوادي نموذجا فريدا لأودية البحر الميت الرئيسية السبعة،التي ذكرنا منها وادي سويمة ووادي الموجب ووادي الزارة ،وبقت الأخرى بعد أن زرناها ودرسناها لننشرها في حلقات لاحقة”الجزء الآخر من هذا الكتاب”.
وبعد المشي على المسيلات المائية التي تنساب فوق الركام الأملس الذي تشظى فتكسر بفعل المياه القادمة من الينابيع ،التي كانت كثيرة وتقلصت لتصبح ستة ينابيع فقط،وتخرج من باطن الأرض على هيئة نقاط فيها تكسر وسماح لنفاذ المياه من جنباتها.
المياه في ينابيع الوادي الأربعة من أصل ستة ينابيع هي مياه باردة،والينبوعان الأخريان مياههما ساخنة تصل درجة حرارتهما إلى 40 درجة مئوية،وهذه الينابيع ترسبت صخورا لاتزال شاهدة بسماكاتها على هذه الينابيع ،وقد إستلقت هذه الصخور بشكل مائل على جنبات الوادي.
وتعرف الصخور التي ترسبت من الينابيع الباردة بإسم التوفا”TUFA”،وهي المرادف لصخور الترافرتين التي ما تزال تفرض وجودها بقوة كلما توغلت في الوادي ،ويلاحظ أن السير في بداية الوادي سهل في معظمه ،وكلما توغلت عمقا في الوادي تظهر جلاميد أوكتل من الصخور،وبأحجام مختلفة يتراوح قطرها ما بين1الى20 مترا ،وهذه الجلاميد بعضها كروي والبعض الأخر ذو حواف مدببة وشكله صندوقي،وهو الذي يعيق المرور أحيانا ويشكل مناطق جذب للجلوس فوقها مراقبة التنوع البيئي المتعدد في المنطقة،من أشجار وشجيرات ،لعل أجملها النخل الكثيف النامي على إرتفاع يتراوح بين20 الى 100 مترا في الوادي، ويبدو هذا النخل بحجمه الكبير وعدده الكثير وكأنه حدائق خضراء معلقة في أعالي الوادي.
بعد المسير في الوادي وتجاوز العديد من العقبات منها الشكل الذي يشبه المدرجات التي نراها في المدن الآثارية مثل مدرج عمّان –فيلادلفيا،ولعل أجمل المناظر هي مجموعة البرك التي تجمعت في الوادي ،ومنها بركة الشلال العملاق ،وهو أعلى شلال في الأردن،وينساب من طريق البانوراما-البحر الميت بطول 80 مترا،وهو من الشلالات الرائعة والجميلة ذات الحرارة المنخفضة ،وتتراوح درجة حرارته ما بين8الى 6 درجات مئوية صيفا شتاء.
ورغم تكسر الصخور وظهور المضيقات الكبيرة ،إلا أن بعض هذه الممرات الضيقة سمحت للصخور البركانية بالتموضع فيها على هيئة قواطع عامودية من الصخر البازلتي ،لتعطي لونا تشكيليا جديدا بين اللونين الأحمر والبني والأصفر،وهي ألوان تمثل الصخور الرملية في الوادي،ولعل من الجدير ذكره ان الوادي تكثر فيه الضفادع الخضراء والسلطعانات البنية المائلة إلى اللون الزهري ،إضافة إلى نوع جميل لونه أسود.
إن كثافة الأشجار والشجيرات وخصوصا تلك التي تنمو في فصل الربيع،أغرت الكثير من أصحاب الماشية لجلب مواشيهم للرعي في داخل منطقة الوادي،ولذلك تنشط حركة المواشي في فصل الربيع،فترى قطعان الماشية تتزايد في المنطقة في هذا الفصل .
الوادي فيه تشكيلات مثل الجنبات النصف دائرية التي قد تجبر المغامر على إستخدام وسائل التسلق للصعود إلى إلى مستويات المصاطب الأعلى،ولهذا فإن الوادي يعد هدفا لسياحة التسلق على الحبال ،وهي مغامرة خاضها البروفيسور أحمد ملاعبة،مع مجموعة من عشاق الطبيعة الأردنيين والأوروبيين وخصوصا الألمان،ويمكن الترويج لهذه المغامرة في المواسم غير المطيرة ،وخصوصا خلال فصلي الربيع والصيف حيث النهار الطويل وأشعة الشمس الجميلة.
ولضمان ديمومة الحياة في الوادي تم إنشاء جسر بيئي في المنطقة ،قريبا من بانوراما ومتحف البحر الميت ،الذي يقع في الجزء العلوي من الوادي،وهو متحف يمثل التاريخ الطبيعي للمنطقة ،ويحتوري على على عينات جيولوجية من أنواع الصخور والمتحجرات ،وتعد زيارته نادرة وفريدة،إذ يعطي شرحا مفصلا عن طريقة تكوين الإنهدام ودرسا عمليا لجيولوجية وبيئة المنطقة ،ويرتفع الجسر البيئي 80مترا.
إن كثافة المياه في الوادي ووجود البرك المائية الطبيعية والشلالات وخصوصا الشلال الرئيسي يدعو إلى ضرورة تاهيل هذه البرك،لضرورات السلامة العامة،وحتى لا تحصد الأرواح البريئة تحت واقع المغامرة الجريئة،دون معرفة مخاطر أعماق البرك أو أي حفر غائرة قد يصعب تمييزها بسبب تركم الرمال وخصوصا نبات القصّيب فوق فوهاتها.
هذا الوادي وبهذه المكنونات الجميلة بحاجة لخطة شاملة ومدروسة من أجل إعادة تأهيله وصيانته وإيجاد أماكن تنزه آمنه فيه ،لضمان ديمومة السياحة بعيدا عن المخاطرة في هذا الوادي العملاق،بمميزاته التي تتفرد عن بقية الأودية.