وادي بايــــر أرض الشمس والمطر وممر الثوار العرب

يواصل فريق «مسارات» الاستكشافي جولاته حول المملكة بقيادة الفوتوغرافي والباحث عبد الرحيم العرجان، حيث حط رحاله قبل أيام في منطقة «وادي باير» في الصحراء الأردنية، وعن تلك الرحلة يقول العرجان:

باير هو اسم ارتبط بالماء والحياة وسط البادية منذ العصور الحجرية وبداية الوجود البشري، ففيها بنى الخليفة الأموي قصره، وعلى الوادي أقام الرومان السدود وحفروا الآبار، وإليها التجأ الحُجاج في طريقهم الى بيت الله الحرام، وسحرت بها خاتون بغداد ملكة الصحراء، وأفرد لها الرحالة فصول في زياراتهم، أما ساكنيها فعرب اقحاح عرف عنهم الشهامة والكرم، وبها مر رجال الثورة العربية الكبرى في مسارهم الأول.

اتجهنا صوب الجفر بعد منتصف الليل، على أمل الوصول وقت السحر للنيل من جماله والتمتع بمنظر شروق شمس البادية وأشعتها المنعكسة على الشحف الصوانية الرطبة بماء الندى لكنوز من ذهب وما أجمل هذا الوقت في البادية، كان إبريق الشاي المعطر بما جنيناه من شيح مصدر دفئنا لهذه الساعة الفريدة والتي لا يضاهيها جمال لتحمل قطع مسافة مئتين وخمسين كيلومتر انطلاقا من عمان.

مسار الثورة

ويضيف:»انطلقنا من وادي باير وتحديداً من بئريها العميقين، بعد دراسة المسار ورسمه الكترونياً، ويعتقد أنهما رومانيات الحفر وجرى ترميمهم وزيادة عمقهم في عدةِ عصور، يستخدم مائهما العذب للشرب، وحولهما مشارب اسمنتية حديثة لسقاية الأنعام والمواشي، فالماء في البادية للجميع ولا يحتكر، وهن في الاصل أربعة آبار وأبان الثورة العربية الكبرى كانت البلدة ضمن مسار رجال الثورة العربية الكبرى فخشيت القوات العثمانية من هذا الجيش المقدام فَنسفوا بئرين لتعطيلهم ولاعاقة التحرك، ولكنهم لم يستطيعوا أن يوقفوا إصراره وعزيمته على تحقيق مبتغاه بالخلاص والظفر بالحرية، وإلى جانبيها هناك غرفة قديمة أُقيمت على قبرٍ لم نستطيع أن نعلم تاريخه أو من فيه.

اتجهنا صوب التل المقابل نحو المخفر القديم لقوات البادية الملكية وحرس الحدود والذي أصبح مهجوراً بعد أن خرج من الخدمة، المبني على أساسات قصر شيده الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك قبل ثلاثة عشر قرن من الزمان، ليكون موقع استراحة واستجمام بالطريق بين دمشق ونجد والحجاز والنهل من جمال المكان المشرف والمحاط بهذا السحر والهدوء، وهنا نتسائل لماذا لا يتم إعادة تأهيل هذا القصر وبنائه العسكري المستحدث منذ مائة عام ليكون مركز إيواء وخلوة لعشاق التأمل والطبيعة والرصد الفلكي في جو مفعم بالبداوة؟ وهوه ما ينشده الكثير من الرحالة والباحثين في العالم بعيداً عن صخب المدينة، وبذلك يتم إحيائه والمحافظة عليه من العبث؛ ففي عام 1914 أقامت الرحالة جيترويد بيل مستشارة المندوب السامي في العراق والملقبة بخاتون بغداد مخيماً إلى جانبه، ومثلها فيلم «ملكة الصحراء» الشهير في طريقها للقاء أمير حائل وافردت له وصف ومساحة في مذكراتها. «

سد باير 

ويتابع العرجان: «وبعد جولةٍ بالقصر وتسلق أسواره المنيعة وبرجه المطل العالي توجهنا نحو سد باير المقصود لسقاية المواشي مجتازين الوادي الذي نبت فيه القصب بكثرة ونباتات العجرم، والقيصوم على جنبات سيل الماء المتدفق من السد الحديث والمبني ضمن مشاريع الحصاد المائي، والذي تظهر روافده من الجو كأنها شرايين تصب فيه، وبعد المسير على طول جداره الترابي الحجري كانت استراحة إفطارنا تحت الأشجار على جانبه مع من صادفنا هناك من أبناء المنطقة ممن يروي إبله وجاد علينا من لبنها، تُعرف بوسم قبيلة مالكها، ليحدثونا عن أثر السد الذي يصبح بحيرة عظيمة بنهاية فصل الشتاء وكيف غدا مقصداً للطيور والحيوانات البرية طوال العام ويحول المنطقة إلى واحةٍ خضراء بعد أن كان يسودها القحط والجفاف.

أخدنا جولة التفافية حول بحيرة السد كاملا، سالكين الدرب نحو التل الغربي المشكّل جزء طبيعي من جسم السد ومشرف عليه كاملا، كنا نلمح من بعيد الثليثوات؛ وهي ثلاثة جبال متقاربة متفردة بالمكان كساها سواد حجارة البازلت وترك أقوام عليها نقوشهم الصفائية، وقد كانت لأمد قريب علامة استرشادية للوصول إلى باير، وقد أفرد ذكرها عدد من المستشرقين في كتبهم ومنهم بيركهارت، بروناد، موزيل، فيلد والرحالة المقديسي، وفي طريقنا نحو السد الروماني القديم وجدنا آثار قبور إسلامية قديمة قيل لنا أن بعضها يعود للحجاج  والتجار بعد أن تحول طريق المحمل الشامي شرقاً للابتعاد عن هجمات الصليبين وبطشهم الإنساني، وبذلك ننهي مسارنا الصحراوي المكشوف بقطع مسافة واحد وعشرين كيلو متر بمستوى بسيط الصعوبة.»