يواصل باحثون ومغامرون بقيادة الفوتوغرافي عبد الرحيم العرجان جولاتهم الاستكشافية في معالم أثرية ومواقع طبيعية أردنية.
وقد زاروا قبل أيام مناطق قريبة من العاصمة مازالت تنتظر الاكتشاف حيث قال العرجان عن الرحلة:
للمسارات المطرية اجواؤها وطقوسها الخاصة لدى عشاق المسير والترحال، فهي عنوان التحدي والمتعة، وتحقيق الهدف في اجواءٍ لا يسمع فيها سوى صوت الريح والمطر، تتطلب تجهيزات خاصة واختيار مسار آمن بعيدٍ عن أي خطر أو مجازفة. قبل البدء بالمسير يتوجب أن يتم تحديد المسار بدقة، بعيداً عن مجاري السيول وبطون الأودية، وقريبا من المناطق المأهولة والمحاذية للطرق المعبدة قدر الإمكان، آخذين بعين الاعتبار الحالة الجوية للمواقع المحيطة بالمسار والتي قد يتأتى منها سيول مفاجئة؛ فلا يعني إن كان جو المسار غير ممطر، أن يكون آمنا من قدوم سيل في أي لحظة، والتقيد بتعليمات قائد المسار يعطي الأمر بالانسحاب حسب تقدير الموقف مع النظر للمشي المتقارب، ضمن مناطق مخدومة كاملة بشبكات الاتصال.
أما الأدوات الأساسية لمثل هذا المسار الشتوي؛ فهي حذاء مطري ذو نعل لا يلصق به الطين حتى لا يصبح وزنه عائقاً للحركة أو قابلا للانزلاق على الصخور المبتلة، ترانش كوت وبنطلون مطري لمنع دخول الماء للملابس الأساسية، جاكيت مقاوم للريح والحرارة ومعظمها مبطن بحشوة من الريش الطبيعي، ملابس حرارية من ألياف الفايبر تحافظ على درجة حرارة الجسم ثابتة، بالإضافة إلى قبعة وقناع الوجه وقفازات وعصيّ الارتكاز وواقيات للساقين من الطين والوحل.
موقع المعلقة المدهش
بحسب ما قال العرجان فقد انطلق المسار من موقع يعرف لدى الأهالي بالمعلقة، وهو موقع تاريخي روماني حفر على واجهة الجبل واستحدث للوصول اليه درج، وهو حسب المعتقد الاثري عبارة عن مدفن من نوادر ذلك العصر لاكتماله وتعدد طوابقه ويتكون من كوات مثلثة بصفوف متراصة كان يوضع فيها زجاجات تحتوي على رفاة الموتى، ومنها توجهنا عبر البيارات في جو خيّم عليه صمت الشتاء وصوت المطر والرعد وعبق رائحة الحطب المنبعث من مداخن البيوت والمزارع، وصلنا موقع كهف النبي عيسى علية السلام المغلق لغايات الترميم والبحث والذي يعتقد أن تكشف التنقيبات ما له علاقة وطيدة بنبي الله السيد المسيح وتلاميذه، فهو غير بعيد عن المغطس ولا أرض بيت المقدس.
عشرة آلاف عام
وتابع العرجان : ومنها توجهنا للكهوف التاريخية الشاهدة على مدى قدم الاستيطان البشري في عمان وما حولها والتي تعود الى أكثر من عشرة آلاف عام قبل الميلاد. صعدنا الجبل ليكون هناك استراحتنا الأولى متدفئين بأنفاسنا وما نحمله من قهوة ساخنة وبعض الفواكه المجففة، جلنا بالكهوف الإحدى عشر التي تعود للفترة الناطوفية، أحدها كان إسطبلا عظيما وعلى مدخل آخر نقش يشير الى عائلة طوبيا العمونية. توجهنا لقصر العبد الهلنستي بعد نظرتنا البانورامية من أعلاه وهو قصر العبد والفريد من نوعه فهو ما تبقى من تلك الفترة ويرجع بناؤه الى هيركانوس، وهو غير مكتمل البناء في بعض أجزائه ومتوج بأسود ذات اثداء على قمة بنائه، ذو فلسفة خاصة في النحت وبحجارته الضخمة التي لربما هي الاضخم بالبناء ضمن فنون العمارة بتاريخ المملكة الأثري.
وبذلك نكون قد اجتزنا الجانب الحضري والتاريخي مع انتصاف النهار واشتداد هطول المطر، لذا قررنا بأخذ الطريق لجهة الغرب نحو وجهتنا لسد الكفرين، عبر درب ترابي لخدمة الرعي وأصحاب المواشي حتى لا نقطع أي سيل جارٍ وبطريق مفتوحة ظاهرة للعيان. وقد طغى على المكان منظر مهيب مبشر بموسم زراعيّ طيب ومخزون مائي وفير، أما صوت هدير الماء المتدفق في قلب الوادي وعدد روافد ضمن أعالي الجبال المحيطة تخبرك بجمال تلك المنطقة وحيويتها.
وبعد سلسلة من الجبال بدءًا ببحيرة السد -بالظهور من بعيد- وقد خيم على المكان هدوء ما بعد العاصفة وأصبح عمق الرؤيا أوضح وأبعد بعد انقشاع الغيم، أصبحنا نرى تغير لون تلك البحيرة بوحل السيول، لننهيه باتمام سبعة وعشرين كيلومترا بمستوى متوسط الصعوبة.
نوفمبر 15