المحميات الطبيعية في الأردن وضرورة المحافظة عليها من التدمير

تحسين التل

بدايةً؛ عرف القانون الدولي المحميات بأنها تلك المناطق الطبيعية التي تتمتع بالحماية القانونية المحلية والدولية للمحافظة على الحيوانات، والنباتات، والطيور النادرة، ضمن منطقة جغرافية محددة بعيدة عن الاستغلال الجائر من قبل الإنسان أو التغييرات الطبيعية التي من الممكن أن تؤدي الى تدميرها، أو قتل التنوع الحيوي فيها. 

اشترط القانون البيئي الدولي أو الإتحاد العالمي للحفاظ على البيئة أن تتوفر الشروط والعناصر التالية في المحميات الطبيعية: 

أولاً: وجود نظام بيئي متميز، تتوافر فيه نباتات وحيوانات وطيور نادرة، وتنوع غير عادي للطبيعة، لا يمكن أن يتوفر في مناطق أخرى من البيئة، أي، يجب أن تكون هناك بيئة حاضنة لهذا التنوع الحيوي. 

ثانياً: أن تكون الأرض المراد حمايتها ذات طبيعة سياحية بيئية، ويوجد فيها سهول أو جبال ووديان، ومياه، وأرض رطبة قابلة لأن تعيش عليها الحيوانات المهدد بالإنقراض، للمحافظة على سلالتها. 

ثالثاً: تقديم الصيانة والحماية للبيئة المراد حمايتها، والعمل على توفير فرص للبحث العلمي، لمتابعة الأحياء البرية، والنظم البيئية، ودراسة العلاقة بين الإنسان والطبيعة. 

نتحدث في هذا التقرير عن المحميات الطبيعية الموجودة في الأردن تلك التي تخضع لنظام حماية عالمي، وتقع مسؤولية المحافظة عليها وصيانتها على الدولة الأردنية، وتحديداً على الجمعية الملكية لحماية الطبيعة: 

أولاً: قبل أن نتطرق لعدد المحميات، علينا أن نُذكر بأن الجمعية الملكية لحمياة الطبيعة تأسست وفق القانون عام (1966)، ومهمتها ليس فقط حماية المناطق الطبيعية، إنما إيجاد مناطق في الأردن تعتبر من المحميات الطبيعية على مستوى المنطقة والعالم، وأول محمية أشرفت الجمعية على تأسيسها وحمايتها هي محمية الشومري عام (1975)، وكان الهدف الرئيسي للمحمية هو خلق وسائل لتكاثر الأنواع المهددة بالانقراض، وعلى وجه التحديد: المها العربي، والغزلان، والنعام، وبعض الأحصنة النادرة مثل الأخدر الفارسي، وهو نوع من أنواع الخيول المهددة بالإنقراض؛ بل لقد انقرض من بلاد عربية كانت تعتبر ملاذه الأخير على مستوى العالم مثل سوريا، والعراق، وهو أكبر من الحمار ويشبه الكديش. 

ثانياً: أسست الجمعية محمية ضانا عام (1989)، وتعد أكبر محمية طبيعية في الأردن تقع في محافظة الطفيلة، تتجاوز مساحتها ثلاثمائة كيلو متر مربع من التضاريس المتعرجة، وتمتد المحمية على سفوح عدد من الجبال من منطقة القادسية التي ترتفع أكثر من (1500) متر عن سطح البحر، وتنخفض إلى سهول صحراء وادي عربة، وتتخلل جبال المحمية بعض الوديان التي تتميز بطبيعتها الخلابة، وتتنوع التركيبة الجيولوجية ما بين الحجر الجيري والجرانيت. 

تعتبر محمية ضانا موطناً للعديد من أنواع الطيور والثديات المهددة بالانقراض، مثل النعار السوري، والعويسق، والثعلب الأفغاني، والماعز الجبلي، وهي من أفضل الأماكن في العالم والتي تدعم تواجد النعار السوري، كما تدعم وجود وتكاثر صقر العويسق. 

يوجد في محمية ضانا (656) نوعاً من الحيوانات منها ثلاثمائة نوع من الحيوانات اللافقارية، ونوعين من البرمائيات، و (39) نوعاً من الزواحف، منها أربعة أنواع مهددة بالانقراض كالحرباء، والضب، والورل، والسلحفاة اليونانية، ويتراوح عدد الطيور في الأردن عمومًا أكثر من أربعمائة نوع تتبع خمسة وخمسون عائلة معظمها مهاجرة، وتمَّ تسجيل من مئتا نوع من الطيور في ضانا فقط منها (33) نوعًا لها أهمية عالمية. 

ثالثاً: محمية عجلون: هي محمية طبيعية تقع في الجزء الشمالي من محافظة عجلون التي تعتبر من محافظات شمال الأردن، وكانت تدعى: محمية زوبيا الواقعة في منطقة برقش ضمن أراضي إربد، بعد ذلك انتقلت المحمية إلى منطقة أم الينابيع شمال غرب برقش وهي من ضمن أراضي عجلون بعد تأسيس محافظة عجلون. 

هي من المحميات التابعة للجمعية الملكية لحماية الطبيعة، تأسست عام (1988). وقد أعلنت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة أن غابات عجلون تعد من بين أفضل المواقع المئة العالمية حيث احتفلت بهذا الفوز عام (2018)، وتبلغ مساحتها (13) كيلومتراً مربعاً، وترتفع ما بين سبعمائة الى ألف وخمسمائة متر عن سطح البحر، تغطيها غابات كثيفة من أشجار البلوط، والبطم، والقيقب، والعبهر، والخروب، والزعرور، والأجاص البري، والسويد، وتعمل الجمعية على إعادة وإكثار نوع من الأيائل البرية المسماة الأيل الأسمر إلى هذه المحمية التي تتميز بندرتها والتي أنقرضت من المنطقة منذ أكثر من مئة عام. 

تضم المحمية ما يأتي من النباتات النادرة وذات القيمة الجمالية: مئتا نوع من النباتات والأزهار البرية مثل: شقائق النعمان، الدحنون، الزعمطوط، اللوف، الحميض، الصفير، السوسنة السوداء، الأقحوان. 

ثلاثون نوعاً من النبات الطبي مثل: الجعدة، رجل الحمامة، القدحة، الختمية، القرصعنة، العنصل. 

ثمانية أنواع من المفترسات مثل: الذئب، الضبع، القط البري، الثعلب الأحمر، السمور، الغريري، الواوي، الضربان. 

أربعة أنواع من القوارض مثل: فأر الحقل، السنجاب الفارسي، النيص، الخلند. 

ستة عشر نوعاً من الزواحف مثل: السلحفاء الاغريقية، الأفعى الفلسطينية، السحلية الخضراء. 

أربعون نوعاً من الطيور مثل: الصقر الحوام، عقاب الحيات، الحجل، الهدهد، البلبل. 

رابعاً: محمية الأزرق: تقع محمية الأزرق في الأردن في واحة الأزرق في الصحراء الشرقية من الأراضي الأردنية، مساحتها تبلغ (12) كيلو متراً مربعاً، وتبعد عن العاصمة عمان حوالي (120) كيلومتراً، وهي بالقرب من محمية الشومري. 

توفر محمية الأزرق ملاذاً آمناً للطيور التي تعيش أو تتنقل قرب السبخات، والبرك، والمحميات المائية، ويقدر عدد الطيور التي تستقر أو تمر منها بحوالي نصف مليون طائرسنويا، وتعدّ محيمة الأزرق مكان إقامة للطيور المهاجرة ما بين أفريقيا وآسيا، وقد تم تسجيل أكثر من ثلاثمائة نوع من الطيور فيها، وبموجب معاهدة رامسر (Ramsar) في إيران؛ اعتبرت محمية الأزرق منطقة مائية ذات أهمية دولية للطيور المهاجرة.. 

محمية الأزرق غنية بالأحياء البرية النباتية والحيوانية، وهي شبه مغطاه بالنباتات المائية كالحلفاء، والقصيب، والعرقد، والاثل العطري المحلي، ومن أهم حيواناتها البرية: إبن اوى، والثعالب الحمراء، والضبع المخطط، والذئب، والوشق والعديد من القوارض. 

خامساً: محمية الموجب: هي من أكبر المحميات الأردنية، وتقع على امتداد وادي الموجب، على بعد حوالي (32) كم شمال مدينة الكرك، وهو واد سحيق يمر فيه نهر الموجب وتخترقه طريق (الكرك – مادبا – عمان). 

تبلغ مساحة المحمية (216) كم2، ويتراوح مستواها ما بين (400) متر تحت سطح البحر إلى (800) متر فوق سطح البحر، وتُعد أخفض محمية على وجه الأرض، ويقع جزء من المحمية على ساحل البحر الميت، ويمر من خلالها نهران هما: نهر الموجب ونهر الهيدان اللذان يتقاطعان داخل المحمية في منطقة (الملاقي) ليكملا طريقهما سوية إلى البحر الميت. 

يوجد في المحمية أنماط متنوعة من الحياة البرية من نباتات وحيوانات؛ ففي المنطقة العلوية يسود مناخ البحر الأبيض المتوسط؛ ويليه في الارتفاع مناخ الهضبة الإيرانية وفي المنطقة السفلية يسود المناخ الصحراوي، ومناخ النبت السوداني، وكل هذه المناطق تتميز بوجود أنواع من النباتات، والحيوانات لها خصائصها المختلفة والمميزة. 

تمتاز المحمية بوجود الينابيع المعدنية وبعض النباتات النادرة مثل زهرة الأوركيد، وأشجار الطرفة، والأكاسيا، والدفلى، والنخيل، وقد تم تسجيل (63) عائلة نباتية تضم حوالي (400) نوع من النباتات داخل المحمية. 

كما يعيش فيها العديد من الحيوانات البرية مثل الماعز الجبلي و(البدن) وهو نوع من الماعز، الغزال الجبلي، الذئب، الوبر، والضبع المخطط، والنمس، والقطط البرية مثل الوشق النادر الوجود في الأردن. 

كما توجد في المحمية أنواع كثيرة من الطيور بلغ عدد أنواعها أكثر من (150) من بين المحلية والمهاجرة منها: الشنار، والسفرج، والقبرة المتوجة، والابلق الحزين، والسوادية، والبلبل، والغراب المروحي، والرخمة المصرية، وعقاب البادية، والعويسق، وعقاب بونيللي، ويتواجد الطائر الوردي السينائي الذي يعتبر رمز الأردن من الطيور والطائر الوطني إضافة الى بقية الرموز الوطنية؛ مثل شجرة البلوط (الملول)، وزهرة السوسنة السوداء.. 

سادساً: محمية الشومري: تُعد محمية الشومري أول محمية للأحياء البرية في الأردن، أسستها الجمعية الملكية لحماية الطبيعة عام (1975) كما ذكرنا في بداية التقرير، وهي في الزرقاء – منطقة الأزرق – وادي الشومري، تبلغ مساحتها (22) كيلو متراً مربعاً، وقد خصصت لإعادة إطلاق المها العربي الذي بدأ بالانقراض. تتكاثر فيها أنواع من الطيور البرية، ويجري الآن الإكثار من الغزال الصحراوي (الريم والعفري)، والنعام، والحمار البري السوري، وقد تم تسجيل (11) نوعاً من الثدييات في المحمية و(134) نوعاً من الطيور أغلبها طيور مهاجرة، إضافة إلى (130) نوعاً من النباتات البرية، أهمها القطف، والشيح، والطرفة، والرتم. 

سابعاً: محمية فيفا: محمية فيفا من المحميات النادرة على مستوى العالم، وتعتبر المحمية واحدة من بين ثلاثمائة وتسعون موقعاً مهماً للطيور على مستوى العالم، ومحطة رئيسية لاستراحة الطيور المهاجرة في مسار هجرتها بين افريقيا وأوروبا بسبب المسطحات المائية التي تتشكل فيها في فترة الشتاء. 

تُعد محمية فيفا أخفض بقعة في العالم تقع جنوب البحر الميت، وهي مدرجة على القائمة العالمية لاتفاقية رامسار للمناطق الرطبة؛ ورامسار؛ اتفاقية دولية لحماية التنوع الحيوي في المناطق الرطبة، وكانت الأردن أول دولة عربية توقع عليها عام (1977). 

يوجد في المحمية أكثر من (90) نوعاً من النباتات تتبع لـ (30) عائلة نباتية، و (76) نوعاً من الطيور، و (10) أنواع من الثدييات المختلفة، ونوعين من الزواحف ، إضافة إلى العديد من الأسماك التي لم تسجل في أي مكان في العالم. 

وهي الملجئ الأخير لأسماك الأفانيس العربية والتي لا توجد في أي مكان آخر في العالم إلا في حوض البحر الميت، وهي تعاني من التهديد الشديد بسبب الأنواع الغازية وتغير الموائل، ولا تجد للآن مكاناً آمناً من المناطق الرطبة ذات المياه الدائمة أو الموسمية في المحمية. 

والمحمية المكان الوحيد في الإقليم حيث يعيش طائر السبد النوبي المهدد بالإنقراض، وتضم التعداد الأكبر في كافة مناطق انتشاره المحدودة عالميا، وقد تم تسجيل (52) ذكر من الطيور وهو الرقم الأكبر في المنطقة، ولاحقا لاحظت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة من خلال دراسة أحدث عام (2019) العثور على (63) ذكر ينادي للتزاوج. 

وتعتبر المحمية البقعة الأخيرة التي تحتضن التجمعات الشجرية الأصيلة لشجرة الآراك التي يُصنع منها المسواك، كما تعتبر الواحات الدائمة والموسمية في المحمية أهم مناطق استراحة الطيور المهاجرة على طريق الهجرة الرئيس في كل القارة الآسيوية في فترة الشتاء، والتعشيش والتكاثر في فترة الصيف، ويستوطن المحمية بالتعداد الأكبر وطنياً وإقليمياً عصفور البحر الميت، الذي يستخدم الموائل الطبيعية في المحمية لإدامة مجتمعاته الحيوية والذي انحصر امتداده على طول حفرة الانهدام بسبب تغير الموائل والتعديات الإنسانية. 

بقي أن نعرف أن محمية الموجب ومحمية فيفا والبحر الميت؛ أخفض بقاع الأرض عن سطح البحر بأكثر من أربعمائة متر، وهناك محميات صغيرة الحجم في الأردن، مثل محمية دبين التي اشتعلت فيها النيران عام (2008) واحترقت أشجار نادرة ومعمرة تحتاج المنطقة الى أكثر من مائة عام لتعويض خسائر الشجر الذي احترق في دبين. 

بقي أن نؤكد على أن محمية فيفا تدخل ضمن اتفاقية رامسر التي وقعت في إيران، وهي معاهدة دولية للحفاظ على المناطق الرطبة، وتنمية دورها السياحي، والثقافي، والعلمي، ويتمتع حالياً أكثر من ألف وثمانمئة موقع بحماية اتفاقية رامسار بمساحة أكثر من مليون ونصف المليون كيلومتر مربع وفقا للمبادئ التوجيهية للاتفاقية، وهي موزعة على (159) بلداً، منها الأردن بطبيعة الحال.